كـان فـي قلـب تـونـس العـاصمـة رصيــف ممنــوع، رصـيف حـرام، يتفـاداه الجمــيع. كـان رصيـفا مخيـفا مـريبـا، تحـرسه سلاسـل و خـوذات و أسلـحة و عيـون حمراء مكفهرة مصوبة تجــاه المـارة. فـوق الـرصيـف بنـاء سوفيـاتي شتـازي يجـثم علـى صـدر المـدينة فيحـول دون أن تتـنفـس ... وزارة الداخلـية
يتـوسط
جـل عـواصم العـالم القصـر الرئاسي أو الملكي و البـرلمان، كرمـزي السلـطة و صنـع القـرار
و مـركزي ثـقل الـدولة، إلا في تونـس، حيث القصـر و البرلمـان يقبعان على هامش المدينـة
و تختـزل الدولـة ( البوليسية ) مقـرها في كاتدرائيــة وزارة الداخليـة، وزارة الإرهاب
الشرعي
و
ذات جمـعة، وقفـنا أمام وزارة الإرهاب، نظرنا إليـها، حـدقنا فيـها، صـرخنا في وجـهها،
تسلـقنـاها، تحـديناها، أهـنّاها...فانكشفـت عـورة الجنـرال و فر هـاربا...كسـرنا السلـة التي وضع فيها جميـع
بيـض السلـطة، بتسـلق جـدرانها كسـرنا جـدار الصمـت و الخـوف ... ذات جمـعة، فقـدت
الدولـة (البـوليسيـة) هيـبـتها
قــصــة الرصيــف
كـانت
فرنسـا في القـرن التـاسع عشـر تعتبـر الإستعـمار مشـروعا حضـاريا
للأعراق
العلوية الحق و الواجب في تمدين و تحضير الأعراق السفلى""
جول فيري (رئيس المجلس
الحكومي في فرنسا أثناء إقرار إحتلال تونس في 1881)
حيث
كانت نظريات العنصرية العلمية المتداولة و الشائعة في الأوساط الفكرية و السياسية آنذاك
تصنفنا دون البشر، همجيين و وحشييـن، كنا في نظـرهم أعراقا سفليا تجـهل الحضـارة
بتجريـدنا
من إنسانيتنـا، جُـردنا من حقوق الإنسان و المواطـنة، صارت إنسانيتنا مسعى بدل أن تكون
فطرة. كان الفرنـسي يولـد إنسانا، أما نحـن، فعليـنا أن نتعلـم و نتمـدن و نتحضر و
نتفــرنس حتى يكـون لنا الحق في الكرامة و الحرية و حق تقرير المصيــر
الديمـقـراطـيـة
هي السيادة للشعــب و بذلك تحميلـه مسؤليـات القـرار، لكن الديمقراطـية و ببسـاطة هي
شـأن إنساني، و لا تنطبـق على من صنفتهـم فرنسا لا يفرقون بين الخيـر و الشـر، من لا
يعرفون مصلحتهم و ينساقون بسهولة وراء غرائزهـم. نحن لسنا أهلا بالديمقراطية ما عدى
من أثبت أهليته، من تكلم الفرنسية و درس تاريخ فرنـسا و إستـند إلـى أدبـاءها و حفـظ
أشعـارها، فذاك قد نجح في الإنتقــال من الهمجيـة إلى الحضارة
طبعـا
من حفـظ الشعر الشعبـي أو العربـي أو القرآن يبقـى في نظـر المستعمر همجـيا، فالحضـارة
غربية أو لا تكون !!! و الباقي مجـرد فلكلـورو
وفاءا لرسالتـها الحضاريـة، كانت فرنـسا تسـهر على تكوين نخبة من التونسييـن في جامعاتهـا
ليكونو رسلـها في الأرض، يهدون الجهلـة إلى نور فرنسا المبين، مثلها كمثل الراعي يربي
كلابا، يدربها على طاعته حتى تساعده في رعـي
ماشيتـه، يوكل لها المضـجر و المتعـب...الدواب تفهـم بعضـها
المـلـك
و البـارودة
في
غياب الديمقراطية، إستمـدت الدولة شرعيتها من منظـومة فكريـة كفيلـة بضـمان تنفيـذ
المشروع الإستعماري
خلـفت
هذه الممارسـة فينا إلى اليوم داءا عضالا مازال ينخر أذهـاننا، فكـرة أهـل الإختصـاص،
أي قبـول أن تحـكم أقليـة الشعـب بدعـوى أنـها تعـرف مصلحـته أكثـر منـه، و هي فكـرة
متنافيـة تمـاما مع الديمقراطيـة، ففي أثيـنا كان العكس متداولا، فقـد كان الآثينيون
يقصــون من البرلـمان (استراسيزم) كـل من كـان يستنـد للخبرة و للإختصاص في المشاركـة
في الحياة السياسيـة، كانوا يرتابون من يجـيد الكلام و يخـافون أن يتـلاعب بهـم
الأرستقراطية
( السيادة للأفضل ) متناقضـة تماما مع الديمقراطيـة ( السيادة للشعب)
مصــداقيـة
الطبقـة الحاكمـة تتلخص إذن في إثبـات أفضليـتها، طبعـا في عهـد فرنـسا المشـكل لم
يكـن مطروحا لأنه، و في نظر المستعمـر ، الفرنسـي هو الأفضـل بطبـعه، فهـو المتحـضر
المتمـدن. المشكل طرح بعيـد الإستقلال، حيـث إثبـات الأفضليـة تجلـى في إبـراز الطبـقة
الحاكمـة فرنكوفونيـتها و إستعراض البصمـة الغربيـة في كينونتهـا... فرنسـا حكمتنـا
لأنـها الأفضـل، نحن نخلـف الفرنسيين، نتكلم لغتهم، نحفظ قصائدهم، نأكل أكلهم، نلبس
لباسهم، نحن شبه فرنسيين في بلد الأعـراب، فنحن الأجـدر بحكـمكم
هذا
تطـور خطيـــر جدا في الخيــال السـياسي التونـسي. فنحـن في علاقتنـا بالسلطـة، علـى
الأقـل على الصعيد الميثولوجي، نعتبـر بالحاكم الذي يحاكي شعبـه، الذي يجوع مع شعبـه،
ينـام أين ينـام شعبـه، يسكن في خيـم شعبـه، و هـذا يتجـلى في أمثلـة عـدة كما يروج
مثلا على تواضع عمر بن الخطـاب و زهد عمر بن عبد العزيز إلخ ...
نحن
في الحقيقة شعب نكـره القصور و نحتقـر التعالي و نرفـض الغـرور. كنـا شعبا يُحكم بأساطير
الملك الذي يزور ديار رعيته قبل النوم، يلبس ما ستر و يأكل ما حضر، طبعا هذا في ميثولوجيا
السلطـة و إذا كانت الحقيقـة بعيدة عن ذلك، فعلى الملـك إخفاؤهـا على العيــون
و
إذا بنـا مع الحقبـة الإستعمـاريـة نستورد نقيض هذه الفكرة، و نستبـدل خيـالنا السياسي
بالخيـال السياسي الكاثوليكي، المستمـد من عـادات الكنيسـة في فرض النفـوذ و الهيمنـة،
حيـث في القـرون الوسطـى كـانت المؤسسـة الكاثوليكيـة تستمـد مصداقيتهـا من كبـر كنائسها
و شهق كاتدرائياتهــا، من ذهب السقـف، و نبـل خشـب الأبـواب، المصـداقيـة الإلاهيـة
في أن ممثل الرب فوق الأرض لا يشبـه رعيتـه، مصداقيـة الكنيسـة في حجمها الرباني
كـانت
الكاتدرائيـات في القرون الوسطى جبـالا من الذهب و الصخـر و النقـوش تجثـم فوق وحـل
المدن و أوبئتهـا و قـذارتها، تكـرس فكـرة الرب العالي و العـابد الوضيع
رسخـت
هذه الفكـرة في الخيال السياسي في البلدان الكاثوليكيـة، و إنتقلـت إثر النهضـة الأوروبيـة
من الكنيـسة إلى البلاط، ثم إلـى القصـر الجمهـوري و البرلمـان و باقـي مؤسسات الدولـة،
إلى يومنـا هذا، رغـم ما مـر عليهـا من ثورات و كومونـات
بـذلك
تكون المصلحـة العامـة هي مصلحـة الدولـة بدل أن تكون مصلحـة الشعب، و بما أن الطبقـة
الحاكمـة أدرى بهـذه المصلـحة من الرعاع المحكومين، و لتفادي المسائلـة الشعبيـة أو
الإنتفاضات و الثورات، كـرست الدولـة منـظـومـة
أمنيـة قـويـة، تستمـد مشروعيـة عنفـها من السلطـة بدل الشعب، و تحـمي بذلك هذه الطبقـة
من الشعـب نفسـه
الـدولــــــة
أن تهـابهــــا
هذه
المنظومـــة الأمنيـــة هي الأداة الضامنـة لممارسـة السلـــطـة، تأتمر بأوامرهـا و
ترعـى مصالحها، التشكيـك في المنظومـة الأمنيـة هو تشكـيك في صـاحب قرارهـا، أي السلطـة
البوليس
يحـمي الطبقـة الحاكمـة بالبارودة، و الطبقـة الحاكمـة تحمـي البوليـس بالقانون
هـذا
التحالف بين طبقـة مثقفـة، تفتخر بكونها لا تشبـه الشعب، و بين منظومـة أمنيـة وفيـة
لها، هو في كلمتيـن، هيبـة الدولـة
إذن
فهيبـة الدولـة متنـاقضـة تماما مع هيبـة الشعب
تقـف
الدولـة فـوق صـدر الشعـب علـى ساقيــن ثابتتيــن، سـاق الحـاكم النبيـــل و سـاق البوليــس
القمعــي
هذه
هي الدولـة التي ورثناها من المستعمر، دولـة رافضـة للديمقراطيـة بطبعـها، دولة إقطاعية،
دولـة قن و سيـد و بنـدقيـة...
ليس
للدولـة البورڨيبيـة
أن تستمد شرعيتهـا من الشعب، لأن الشعـب في نظـر بورڨيبـة،
لا يملـك المقومـات الذهنـية و الحضاريـة لإعطائـها الشرعيـة
تتجســــد
إقطـاعية النظام في كلمــة يرددها كل التونسيون، كلمـــة الحـاكم
كل
ما هو " متاع الحاكــم " ليـس ملكـا للشعـب، نهـابه في النهـار، و نكسـره
و نمزقـه و ننتقـم منـه في الليـل
نمشي
في كياس الحاكم
تحت ضو الحاكم
نشرب ماء
الحاكم
نتعالج في
صبيتار الحاكم
يضربنـا الحاكم
بزي الحاكم
يختلط الحاكم
بالحاكم
نحتفـل
بعيـد ميلاد الحاكم
نستيقظ على
إذاعـة الحاكم
تبـث أشعارا
كتبت خصيصا للحاكم
ننام على
توجيهات الحاكم
يعلمنا خلالها
كيف نمشي في كياس الحاكم
كيف نشرب
ماء الحاكم
و
كل جمعـة ندعو أمام إمـام الحاكم أن يطول الله في عمـر الحاكم
"
بما أن الشعب يصـوت ضـد الحكومة، فعلينـا إذن حل..
الشعب" برتولد براخت
بما
أن الملـك لا يرضـى أن يشبـه الشعب، حاول الشعب أن يتأقلم مع الملـك
أصيـب
الشعب بالحمى البورڨيبية
، إنتابه الهذيان، فصـدق أن العلـم و المعرفـة و الحضارة تكتـب من اليسار إلى اليميــن،
لبس اللباس الأوروبـي و سماه لباسا عصريا، خجل من سفساري أمـه أمام المدرسـة و برنـس
أبيـه في المقهـى
حاول
الشعب أن يكـون فرنسيـا ، فلا هو نجح و لا هم يقبلـون
صار
يترصـد أي دليـل على دونيتـه، عبارات تقـزيم الذات لا تغادر فمه
" توة
هاذم متاع حـرية
"
"هاذم تعطيهم الديمقراطيــة ؟ تي حتـى يتعلمو يمشيو في الكياس"..كياس
الحاكم طبعـا
تاه
الشعـب فبحث عن نفسـه في كتب التاريخ و الجغرافيا
من
أنا ؟ هل أنـا عربي ؟ هل أنـا إفريقي ؟ من أنـــا ؟
أطـل
عليـه الملـك من شرفة قصره و في يده كأس الشمبانيا
ماذا
تريـد ؟ أهـذا جزائي أني رضيت أن أحكم شعبا متخلفـا مثلك ؟ أهكذا تزعجني في قصري ؟
ماذا تريـد ؟ عـد من حيث أتيـت، سأكلمك غـدا في التلفاز، سأروي لك قصـة خصيتي الوحيدة،
و سأحدثك عن قصة حـب الملـك و وسيلـة
سأروي لك
ماتشاء إلى أن تنـام
نكس
الشعب رأسـه و عـاد من حيـث جـاء
بـورڨـيــــبـة
الـرابــع عــــشــــر
كانت
تنقص الملـك حاشيـة، فما كان إلا أن صنعهـا .. كن فكانت .. حاشيـة فرنجيـة اللون و
الرائحـة، تذكره أيام الصربون و الحي اللاتيني، حاشيـة من أشباه المثقفين و رجال الأعمال
و الجامعيين و الفنانين .. نموذج مصغـر من شعـب لا وجـود له، يستظهـر بهـا في السهرات
و المحافل .. صنعهـا في ست أيـام من دعم وزارة الثقافة و منـح وزارة التعليم و مناقصات
التجهيـز و الإسكـان
و
بعـد أن علمـها أسمائه كلـها .. كلفهـا بإعـادة كتابة التاريخ و رسم الخرائـط من جـديد
و نظـم قصائد و معلقـات و خطـب عصمـاء في بهـاء طلعتـه و جمـال صلعتـه
" يجي دنفير
مالمستير...الدول فيه تحيـر "
بينمـا كانت الحاشية تعلق صور توت عنخ آمون
و قناعه الذهبي في الشوارع و الملاعب و الساحات و طوابع البريد و النقود و التلفاز
و أذهان النـاس، كان البوليس يقف حاجزا بينها و بين الشعب و أمراضه المعدية و
رائحته الكريهة
بمرور
الوقت، طعـن الملك في السن، و تحول توت عنخ آمون إلى مومياء رمسيس الثاني، فصار وهم
أفضلية الحاكم سخيفا، و بانت خيوط الدمية للشعب، و غدى من الصعب تصديق نبوته، بدأ التشكيك
في معجزاته، و كان لا بد من تعويض الشرعية المفتقدة بالعنف الرسمي ... بدأت قداسية
الحاكم تتهاوى شيئا فشيئــا، كانت كل ما تهوي صرحا، تزيد المنظومة الأمنية صرحا، حتى
إنعدم التوازن بين المصداقية الأفضليــة و الشرعيــة البوليسيـة
و
ذات سابع من نوفمبر، في غفلـة من المومياء و بتواطؤ مع جزء من الحاشيـة، قفـز صاحب
الشرطة علـى العـرش و أنقـذ بذلك هيبة الدولـــة
هـراوة
الشرطـي و مقــص الحـلاقـة
ضحـت
الدولـة بصـانعهـا لإنقـاذ هيبتهـا و ألقتـه في قبو، فهيبـة الدولـة لا تعرف الوفاء
إلا لحافظـها و حاميها، ما أن ضعف إلا و تخلصت منه، و زجـت في القصــر بحلاقة و شرطي،
و تواصلـت الدولـة مع تغييـر طفيـف في موازيـن هيبـتهــا، إذ تقلص نصيـب سـاق الحـاكم
النبيـل لحسـاب سـاق البوليـس القمعـي
تـواصـل
تجـاهل الشعب و إقصائه من الحياة السياسيـة
و
تواصلـت الدولـة في تكريس هيبتهـا
صعـد
بن علي على سطـح القصر خاطبا
" من
كان يعبد بورڨيبة،
فبورڨيبـة
قد مات. و من كان يعبد هيبـة الدولـة، فهيبـة الدولـة لا تموت
ضخّ
الملـك الشاب في الحاشيـة دماءا جديـدة، وزّع إمتيازات من نوع جديـد و أعادت الحلاقة
تزويق القصر على ذوقـها
تأقلمت
معظم الحاشيـة مع التغييـر، و لكن خارج البلاط بقيت دار بورڨيبة
علـى حالـها ، سجـون و خوازيق و حـديد و نـار
و
ذات يوم، و بينمـا كانت الحاشيـة مشغـولـة في لهوها و مرحهـا، إذ سمعـت من بعيـد حناجر
الغضـب تنشد الحريـة و صدورا مفتوحـة و متارس
مبثوثـة، فأطلـت الحاشيـة من الشرفة و في يدهـا كأس الشمبانيـا
ماذا
تريد ؟ عـد إلـى جحورك سنعطيـك خبـزا و ماءا
لكـن
هذه المرة إستبسـل الشعب، و لم ينكـس رأسـه، و واصـل الصراخ : إرحـل
خافت
الحاشيـة فرمـت بالملـك من الشرفـة : لكم ما تريـدون
و
نادت على وزير الملـك و رئيس برلمـان الملـك أن تواصـل عجلات الدولـة دورانهـا... لكـن
السواعـد لم تكل و الحناجـر لم تتعـب.
لقـد
مرضـت هيبة الدولـة و تزعزعـت. تعطلت الآلة فـرموا بوزير الملـك من الشرفـة و نادوا
أحـد مهندسيـها الأوائل، هو الذي صنعهـا و هو الوحيـد الذي يستطيـع إعادتها علـى ماكانت
عليـه
نادوا
على أحـد صحابة بورڨيبـة،
كان من أول من آمن بدينه الجديد و هو من العشرة المبشرين بالجنـة البورڨيبيـة
: الباجـي قايد السبسي
قفا
نبك من ذكرى بورڨيبـة و السبسي
وقـف
السبسـي في الجمـع و قال لهم بالحرف الواحـد
أنا
ما عنديش أي تردد و أي شك أن الرئيـس إرتكب خيانـة عظمى، رئيس دولة له مسؤليات عظمى
في السهر على سير دواليب الدولة، و في ضمان الأمن و الإستقرار لأبناء الشعب، يغادر
مسؤليته، هو ليس بالمتوظف البسيط، و يذهب دون سلام ؟ هذايا أعتبره خيانة مؤتمن
بالنسبـة
للسبسـي، الخيانـة العظمى ليست خيانة بن علي للشعـب طيلـة أكثر من عقدين، و إنما هي
خيانتـه للدولـة، خيانـته لدولـة مؤتمن آمنـاها لك كاملـة بهيبتهـا و بوليسها ( الأمن
و الإستقرار لأبناء الشعب ) و إدارتهـا ( ليس بالمتوظف البسيـط ) فإذا بك لم تكن في
مستوى المسؤليـة و هربـت بدون سلام..فإذا بك أهـدرت ما بنينـاه طيلـة سنيـن من هيبـة
الدولـة البوليسيـة.
يلوم
السبسي على بن علي أنـه لم يبقى إلى النهايـة.. نهاية ماذا ؟ نهاية من ؟ ماذا كان يفعـل
السبسـي مكانه ؟
هـذا هو السبب الحقيقـي وراء عـدم محاسبـة القناصـة،
هؤلاء جنـود الدولـة و حراسها، هم دافعـوا عن هيبـة الدولـة، فكيـف يعاقب السبسـي من
قام بواجبـه ؟
إذا
كان يوم 14 جانفي، في نظرنا يوم إنتصـار الشعب، ففي نظـر السبسي هو يوم هزيمـة الدولـة
مات
الملـك..عاش الملـك
نادت
الحاشية على السبسـي و أوكلتـه مهمـة إصلاح ما تعـطل من هيبـة الدولـة، و إتفقـت على
ضخ دماء جديدة فيهـا تتقـاسم معهـا إمتيازاتهـا وبذلك تبقى هي في البـلاط
لإختيـار
من سيعـوض صاحب الشرطـة و زوجتـه الحـلاقة، قررت بمعيـة السبسـي إجـراء مسابقـة وطنيـة
إسمـها الإنتخـابات، مسابقـة علنيـة يشارك فيهـا الشعب ليختـار من يكون الملك الجديد،
يفوز فيها من ينـال رضـاء الحاشيـة من تمويل لحمـلاته الدعائيـة و مؤتمراته الشعبيـة...تقـدم
الكثيـر ممن يطمعون في الكرسي الشـاغر
أيا
كان الذي سيباشـر السلطـة في المجلـس التأسيسي، سـواء كان حزبا أو شخصـا أو فكـرا أو
إئتلافـا...أيـا كان...فإنـه سيجـد نفسـه يمسـك بسلطـة لا حدود لهـا، بـدون أي مؤسسـة
تعارضـه، فهو سيمسـك في نفـس الوقت بالسلطـة التنفيذيـة و التشريعيـة و سيحدد صلوحيات
السلطـة القضائيـة.... سيكـون ديكتاتورا منتخبـا...ديكتاتورا شرعيـا.... سنضـع البيـض
كلـه في نفـس السلـة من جـديد و ننتظـر أول من يقطفـه سـواء عبـر الإنقلاب أو عبـر
الرشـوة السياسيـة أو عبـر فـرض الرأي... طبعـا كل الأحزاب تدعـو إلـى المشاركـة في
تأليههـا، فالكـل يطمـع أن يكـون هو الديكتاتور الشرعـي، الكـل يمنـي نفسـه بالقصـر
الدولـة
التونسيـة و ما أدراك ما الدولـة التونسيـة، دولـة بألف دولـة، دولـة تتدخل في الصغيـرة
و الكبيـرة، دولـة لها أيـادي طويلـة و نفـوذ واسـع في كل تفاصيـل الحياة، و أيـا كان
الذي سينَصّب في القصـر، فإنـه سيجـد نفسـه ذو نفـوذ كبيـر
و
حتى لو وعـد بإنقاص هذا النفـوذ، عن حسـن نيّـة، فـدوار السلطـة و لذة الجـاه سينسيانه
ذلـك, ما هو إلا بشـر
كفـانا
سذاجـة. كفانـا غبـاءا.... لا يدافـع على مصلحـة المحـروم إلا المحروم، و لا يدافع
على مصلحـة الشعب إلا الشعـب
دمـر
القصـر تهـرب الحاشيـة
صحيـح
أن الثورة تقوم من أجـل الكرامـة و الحريـة. لكـن كرامـة من و حريـة من ؟ لا ننسـى
أن أهـل البلاط كانوا ينعمون أيام بن علي و بورڨيبـة
بالكرامـة و الحريـة و أن الثورة بالنسبـة لهم هي حرمانهم من إمتيازاتهم التي كانت
تضمن لهم كرامتهم و حريتهم على حسابنا، و الثورة لن تنجـح إذا نصبنـا في القصـر حاشيـة
جديـدة، تنعـم بإمتيازاتها على حساب البقيـة، الثورة لن تنجـح إذا غيرنا الأدوار
ليسـت
هنالك مشكلـة مع هـذه الحاشيـة أو تلـك، و إنمـا مع مفهـوم الحاشيـة في حـد ذاته
نحـن
عبيـد كنـا نضرب بالسيـاط، ثرنا على مالكنـا من أجـل الحـريـة و الكـرامـة، و ما لم
نكسـر هذا السـوط، فإن من سيملكـه سيعـود بنا إلى نفـس الوضعيـة التي ثرنـا عليهـا،
حتـى و إن ملكنـاه نحـن، فلا حريـة مادام الآخـر عبـدا...و لا حريـة مادام السوط موجودا
إمـا
هيبـة الشعب و إما هيبـة الدولـة
الثورة
هي السبيـل الوحيـد لإقتـلاع الظلـم و الجـور من أرضنـا، لا مفـر من تنصيـب المتارس
و الدخول في مواجهـة حقيقيـة مع الدولـة و هيبتهـا و حاشيتهـا و خوذاتهـا و بوليسهـا...
الطـريق للحـرية و الكرامـة يمـر من علـى الرصيـف الممنوع... من نزع الزي و إلتحـق
بنـا فبالورود و الزغاريد، و من صـوب بارودتـه علينـا فقـد حكـم علـى نفسـه بالموت...
نريـدها بـدون أسـرى...فإما في صفوفنـا وإما علـى الفوانيـس
نحـن
أذكـى من أن تحكمونا، لن تحبوا بلادنـا أكثـر منا
يجـب
تفعيل دور لجـان حمايـة الثورة و إعطـاءها الصلوحيـات الكافيـة لتسسير الشأن العام،
لتكـون قاعـدة للديمقراطيـة الحقيقيـة بـدون وصايـة و لا وسيـط، يتم أخـذ القـرار فيهـا
بالتصويت في جلسات عامـة
النجـاح
يكـون بخلق تنسيقيـات عامـة بين اللجان و كـذلك بين الشعوب الثائرة من ليبيـا و مصـر
و اليمـن و غيرها
الدولـة
هي منظمـة رسميـة لقضاء شؤون و مصـالح الأقليـة التي تمارس السلطـة، مهمـا كانت هذه
الأقليـة
تؤجـر
هذه الأقليـة خدمـات ميليشيا من المرتزقـة، تلبسها هذه المنظمـة أزياءا رسميـة و تسميهـا
بوليسـا، تدفـع لهـا كل شهـر جرايـة مقـابل حمايتهـا من الأغلبيـة
تربيـها
على تنفيذ الأوامر دون تفكيـر، تسلحهـا، تعطيهـا إمتيازات تافـهة مقـابل طاعتهـا
هذه
الميليشيـا هي الأداة الوحيدة الضامنة لبقاء السلطـة، حتـى إن تغير من يمسك بالسلطـة.
فهـي أداة غبيـة ترفض التفكير، و تنصاع دائما للأقوى علـى حساب الضعيف
الثورة
هي السبيل الوحيـد للضعفاء لتغييـر الوضع و الحصول علـى الكرامة و الحرية
الثـورة
ليسـت تغيير الأقليـة الماسكـة بالسلطـة بأقليـة أخرى، بل هي تدميـر المنظـومة التي
تمارس بهـا الأقليـة ـ مهما كانت ـ نفوذها...و ذلك يكون أولا بتدميـر الآليـات التي
تضمـن حماية هذه الأقليـة من الشعب.. البوليس و رأس المال
إنتخابات المجلس التأسيسي ما هي إلا تغيير للأقليـة التي ستحكمنـا، لكـن الحكم سيظـل هو نفسـه
الديمقراطيـة البرلمانيـة ليست الثورة، والثورة هي السبيل الوحيد لسيادة الشعب، لذا يخافها كل الحكام..الثورة
هي الديمقراطـية الحقيقيـة
لو
كانت الديمقراطيـة البرلمانيـة تضـمن ذلك، لما شجعنـا عليهـا حكام الغـرب من ساركوزي
و أوباما و غيرهـم، هم في بلدانهم يمارسون الديمقراطية الإنتخابيـة، ما هي إلا تمثيليـة
تتلخص في مهرجـانات إنتخـابية لإمتصاص الغضب الشعبي، و كل من يعـرف الحقيقـة الإجتماعيـة
و السياسيـة لفرنسا و الولايات المتحدة يعرف أن ديمقراطيتهم لم تحل ضد الطغيان و الفقر
و الغطرسـة، و يعرف أن الممارسـة السياسيـة هناك حكـر على أقليـة رأسماليـة برجوازيـة
لتحقيق
أهداف الثورة، أي الكرامة و الحريـة للجميـع، لا بد من مواصلـة الثورة بتدمير الدولة
و مرتزقتهـا
سيقولون
لك أن الدولـة ضروريـة لتسيير شؤون المدينة، أجبهـم أنه خلال الثورة في الڨصـرين
و تالـة و سيدي بوزيـد، نظمنـا أنفسنـا في لجان شعبيـة، نظفت الشوارع، و حرست الديار،
و سهرت على شؤوننا، منـا وإلينـا
سيقولون
لك أن البوليـس ضروري للحماية من الإجرام، قل لهم أن الإجرام في مغلبـه ناتج عن توزيـع
غير متكافئ للثورة، قل لهم أننا قادرون على حماية أنفسنـا من أنفسنـا
لكـن من يحمينـا من الشرطة إن هي إعترضت إرادتنا ؟
لكـن من يحمينـا من الشرطة إن هي إعترضت إرادتنا ؟
