كــيــف سـتخـونـنا أمـــي

أنـا مـن جيـل الــثورة ....أحـفـظ مــنذ الصّغـر أن الشــعب إذا أراد الحيــاة، إستــجـاب له القــدر، و أن للحــرية الحــمراء بـاب بكـل يـد مضــرجة يُــدق....لم تـفاجــئني هــذه الثــورة...فـقـد إنـتـظـرتـها مـنـذ سنـين، تـدربـت عليـها في أحــلامي، عشـتها من قبـل في خيــالي.... لم تبـاغـتـني فأنـا قــرأت بنـهم تـاريخ الثــورة الفـرنسـية و الروسية....أنا لا خـوف منـي و لا علـيّ

أنا الثـورة

الخـوف كل الخـوف من أمـي....إمـرأة بسيـطة ناهـزت السبـعـين...مشـغولة بطـعم الخـبز و حـال الطـقس و قطـرة السـقف و سعـر الحلـيب...تقـولها لك بكـل فخـر : "  أنا أمـك ما نيش مـتاع سـياسة " 

أمي عجوز بسيـطة .... لم تعـذَب و لم تُسـجَن ....لم تناشد لا بن علي و لا بورڨيبـة

أمي الشعب

إني أرى المشهد....يأتي محمد الطرهوني إلى البيت...يسألها عن أحوالها....تحدثه عن رجلها التي تؤلمها من البرد....عن ملـوخية البارحة.....عن جارتها الحسود ...و عن البراكاج الذي تعرضت له.....يـقاطعها الطرهوني أن الأمن لن يعود مع هؤلاء.....ألم نكن آمنين ؟

يخبرها بأن سي مختار، صاحب المكتبة سيترشح للإنتخـابات....ذلك الرجل الطيب....و أنه إن ترشح لن ينساها.....و لن ينسى حقها في جراية الشيـخوخة إن هي كلمت نساء الحومة....يقول لها أن مـنير خوانجي إرهابي....و كمال شـيوعي كافر.....و محمد حزب فرنسا "مطـورن".....أما سي مختار، فالأقـربون أولى بالمعروف...ألم يختم لها عندما كان رئيس شعبة في مطلب جرايتها ؟ ألم يرسل لها في عيد الفطر عشرين دينارا معونة ؟

يدعوها إلى إجتماع يوم الخميس حيث سيـوزعون عليها على إثـره رطلي مقرونة و قارورة زيت زيتون

هكذا كان التجمع تجمعا يحشد الآلاف......هكذا كان يملأ قصور المعارض و ملاعب الكرة و صناديق الإقتراع 
التجمـع حزب يستمد شرعيته من ستـين طـنا من المقرونة و عشرين ألف محمد الطـرهوني و ثمانمئة و سبـعة و ثلاثيـن سي مخـتار صاحب المكتـبة و ست و سبعين شــاذلي نفاتي  و كمال مرجـان و حـزب واحد

.التجمع لا يحـل في المحاكم. التجمع أخطـبوط و أمي بسيـطة و أنا لا أمـلك شيئا

نحن نملك الثورة و هم يملـكون العلاقـات العـالمية و التليـفونات و أعوان الشـرطة و أرصدة البنوك و معـامل المقرونة و ملايـين البسطاء كمـثل أمي

هنا يكمن كل الخطر، الإنتقال من الشـرعية الثورية إلى الشرعية الشعبية، كما حصل في مصر مع الإستـفتـاء .... هنا تكـمن خطـة الحـكومة، تأجيـل المحاكمات و الحسابات بتعطيلها إلى ما بعد الإنتـخابات التي ستنـقل الشـرعية إلى الشعب بما فيه من تجمعيين و رجال أعمـال بن عـلي مشـبوهي الـثروات و رجـال شرطة ....... و بــســطـاء. 
سيحـصل التجـمع الجـديد القـديم على مناصـب سياسـية و حصـانـات برلـمـانية و يواصـل الوفاء لرجـل الوفاء

أمـاه......لا تخونيننا.....عندما يأتيــك الطرهوني...و من وراء الباب..قولـي له..بكـل فخـر: " قالّـك ولدي ... لن تمـــرواااا "