04/04/2013

نقطة "إسقاط" نظام





...ألهتكم الأحزاب حتى ستزورون الزنازن و المقابر
...ألهتكم الإنتخابات و الصناديق و الكراسي حتى صرتم شعوبا و قبائل و طوائف و شيعا و أتباعا
صرخت كرامتكم في عروقكم فخرجتم لها ناصرين .. رموكم بالرصاص، ضربوكم، عذبوكم، و لكنكم واصلتم نحو الصنم .. هدمتوه .. دمرتوه .. جعلتم من ثورتكم آية تضرب في الأرض لكل الثائرين .. ثم و كأن لعنة أصابتكم فاتخذتم من لدنكم أصناما تعبدوها و قلتم على كثرة الأصنام تتنافس فيما بينها .. نسيتم أنكم من صنعها و من وضعها و من نصبها و من زينها .. فهي لا شيء دونكم و أنتم أحرار من دونها عبيد بها .. هدمتم الصنم و لم تهدموا المعبد، خلعتم السجان و أبقيتم على السجن



لــكــم ثــورتــكــم .. و لــنــا ثــورتــنــا


ففي عباب الثورة ثورات .. من يحارب الطاغية .. من يحارب الطغيان .. و من يحارب من أجل طاغية جديد و طغيان آخر
و لا يغرنك أن عدو حريتك اليوم حارب البارحة في صفك، فما كل عبد تمرد على سيد، تمرد من أجل الحرية
عبيد نحن لا نثور ضد السيد فقط بل ضد العبودية
عبيد .. لكن أحرار

عبيد ثارت على تراكمات قرون من السبي و الرق .. عبيد كسرت أغلالا و قيودا صنعها بن علي و آل بن علي، و من قبله بورقيبة و آل بورقيبة و إستعمار و إحتلال و إقطاع و ملح منثور على الهضاب و هكذا منذ بدء البدء و قبل جلد الثور و بعده

  لــكــم ثــورتــكــم .. و لــنــا ثــورتــنــا


فشتان بين من يثور على الكراسي يكسرها و من يثور يغيرها، و ألف شتان بين من يثور ضد السلطة و من يثور من أجلها

السلطة .. و ما أدراك مالسلطة .. السلطة لا تقف عند بن علي و التجمع و جنودهما .. السلطة ليست حاكما آدميا، هي منظومة كاملة
السلطة نظرة عمودية للأشياء، فوقي و تحتي، آمر و مأمور، راع و رعية، و رب البيت و شيخ القبيلة و قف للمعلم و وفه التبجيلا .. و إمام المسجد و قائد الجيش و قاضي القضاة، و دشن على بركة الله و كبار المسؤولين تباعا حتى المجاهد الأكبر و الرئيس المؤمن و الزعيم المفدى و بالروح بالدم نفديك يا أعظم جلاد عرفته ظهورنا
السلطة إنعكاس الإله في الأرض، هرم وهمي نبنيه بأعيننا و من ثم ننصب عليه فرعونا يكون خليفة الإله في الأرض، و الثورة الحق لا تكون ضد فرعون فحسب بل ضد الهرم الذي بنينا، نهدمه لنبني بحجارته بيوتنا و مدارسنا و مصانعنا و مجالسنا

في عباب الثورة ثورات:17 ديسمبر 2010: تغير ما بأنفسنا .. إنتفاضة العبيد .. خرجت الرعية على راعيها .. كفرت الصعاليك بآلهتها .. صارعت جيوشه .. تحدت رصاصه .. أرادت الحياة فكسرت قيدا و خوفا و جدار صمت. 14 جانفي 2011: تغير ما في البلاط .. غرق فرعون و هامان، زال السيد و إن لم تزل بعد العبودية، هذا التاريخ لا يهمنا في الحقيقة في شيء، فهو مجرد جزئية في مسارنا، يهمنا أننا ثرنا، و التاريخ يكتبه المنتصرون، لو كنا حقا إنتصرنا لسميناها ثورة 17 ديسمبر تاريخ ثورتنا و تغييرنا، و لكن أطلعني عن التاريخ كيف يكتب و سأقول لك من المنتصر .. 14 جانفي، ذاك ما علق بذهن المنتصر الحالي ـ يوم لحق التغيير بلاطه. 27 فيفري 2011: تحولت إنتفاضة العبيد إلى ثورة بين 13 جانفي و 27 فيفري، فالمتارس و الصدور العارية و إهرياق الدماء في سبيل الكرامة ليس أمرا جديدا بأرضنا و لا هذه أول مرة يستشهد فيها التونسي من أجل حلم أو فكرة بنيران السلطان. نحن من ثار ضد الإستعمار الفرنسي و الإحتلال الإسباني و العثماني و الروماني و البيزنطي و العربي .. نحن الفلاقة و الخبز و 1978.و إن كنا نجهل ذاك التاريخ فلأننا لم ننتصر حتى نكتبه، فقد فسخوا منه أسماءنا و بطولاتنا و معاركنا و نسبوا إليهم إنتصاراتنا .. كذلك قالوا أن فرعون بنى الأهرام بينما بنتها الآلاف من السواعد الفقيرة و فرعون يشاهدهم من النافذة و هو الذي لم يرفع حجرا بحياتهتاريخنا ثورات و إنتفاضات، جديدها كان في مساء 13 جانفي، بعيد خطاب بن علي الثالث، حيث لوح لنا بين طيات كلامه بعرض تقليدي من وصفات الحكام، قال أنه قبل بأن لا تمديد و لا توريث، قبل الرحيل على أن يكمل مدة حكمه، و يعلن عن تشكيل حكومة تضم المعارضة، و قد دعا منها من وافق. هذا أخف الضررين يسوقه إلينا، تغيير النظام تدريجيا لتفادي المرور بفترة الفراغ .. إما ذا و إما الطوفان

تحولت الإنتفاضة إلى ثورة عندما خاطر الشعب و لعب الفراغ، و إنساق في تهديم السلطة و آلياتها و مؤسساتها
لم نخف الفراغ .. فراغ كرسي الحكم .. و الفراغ الدستوري .. و فراغ السلطة و الحزب الحاكم .. و فراغ الشوارع من الأمن

بين عرض بن علي و الطوفان إختار الشعب الطوفان .. و ياله من طوفان:14 جانفي ـ الطوافان الأول:عشرات الآلاف أمام وزارة الداخلية، مئات الآلاف في المدن و القرى يحرقون أوكار النظام من شعب و مراكز شرطة و حرس و كلهم بصوت ثائر واحد: "و بن علي لا".27 فيفري ـ الطوافان الأخير:في القصبة و في باقي الساحات، الشعب يريد إسقاط النظام ... الشعب يريد الفراغ

و بين الطوفان الأول و الأخير غابت الدولة، بل تلاشى مسحوق تجميلها و بانت على حق وجهها، سقط القناع و رأيناها مجنزرة عظيمة، تسحق كل من يعترضها، إختزلتها ميليشيات بالزي الرسمي تدافع عن هيبتها و مصلحتها ضد إرادة الشعب

تآكلت أعمدة معبد السلطة فعوضناها خير تعويض، تنظمنا و نظمنا لجانا شعبية و عمال نظافة و جمعنا الأموال و كنسنا الشوارع و حمينا المحلات و سخرنا وقتنا و ملكنا و سياراتنا و هواتفنا في خدمتنا جميعا، في خدمة الشأن العام.وقفت الشرطة في معابرنا تستظهر بوثائقها لتمر .. إنقلبت الأدوار و إستعدنا كرامتنا. عادت السيادة للشعب. نجحنا لبرهة في الإستغناء عن الدولة و من وراءها السلطة
تلك هي الديمقراطية، السيادة للشعب
و كل ما عارضها من شوائب مغفور فنصفه غبار حطام إنهيار المعبد و النصف الآخر لخبرة تنقصنا و آليات نجهلها. بدأ الإنسان الحر المسؤول فينا يستيقظ، بدأنا بتعويض الدولة بالفطرة، قتلنا الأب و سلطته و نزعنا جلبابه، قالوا ثورة بلا قيادة، قلنا كلنا لها قيادة فنحن لسنا بقصر و لا ينقصنا عقل و لا ساعد.بدل أن نواصل في نهجنا ذاك، نطوره و نتعلم من أخطائنا، هرعنا و إضطربنا و ذعرنا، خفنا من الفراغ، و لم تدم حريتنا المسؤولة أكثر من شهر و نصف
بحثنا في بعضنا عن قائد، أو قل قيادات فالزمن للتعدد، فجئنا بجيل الثمانينات و التسعينات و ألقينا له بوزرنا و قلناله: خفنا من الحرية فكن أنت ربنا و نحن سنكون لك ساجدين، فصرنا كمثل إبراهيم يبحث كل مرة ربه في الكواكب و القمر و الشمس و كلها آفلة

في 13 جانفي إنقسم جيل الآباء إلى خائف من الفراغ هرول الى فرعون الغارق في البحر بعد أن شققناه ليلقي له بطوق النجاة متعللين بأنهم تحملوا مسؤوليتهم التاريخية لإنقاذ البلاد من الطوفان ، طوفاننا .. و بين من تأبط صبرا للفراغ عله يجد فيه ضالته و نصيبه، فبعد كل عاصفة صمت و هدوء و بعد كل ثورة حكم جديد
جئنا نحن الأحرار بمن فشل في ما نجحنا ، و نظمنا له مهرجانا إنتخابيا لتوزيع الكراسي حسب رغبات الجماهير
صفقنا و دافعنا و هاجمنا و تلونا و وزعنا و وقفنا في الصف بإنتظام و سمع و طاعة نختار في محلاتهم من بين سلعتهم القديمة

كنا في الديمقراطية الحق فرفضناها و خرجنا منها مقيدين بسلاسل الخوف إلى شبه ديمقراطية تمثيلية بكل معاني كلمة التمثيلية ... عاقبنا أنفسنا و أعدنا عقارب الساعة من 27 فيفري إلى 16 ديسمبر و عدنا بأنفسنا إلى ما قبل الثورة، بصراعات ما قبل الثورة. تفطن كعنة المعبد لإضطرابنا و كانت آثار الدمار عليه كبيرة، فهرولوا إلى المهندس الأعظم للمعابد السلطوية الباجي قايد السبسي و هو أحد مهندسي المعبد الأوائل و مهندس معابد بالوراثة ساهم آبائه و أجداده في بناء قصور جلادينا منذ قرون. إنكب الشيخ الباجي على جثة الأب يحيي رميم عظامه، خرج علينا ببعض الطلاميس و الكلام القديم و الحركات المشبوهة ...


المشهد الثالث: القصر المخفي ـ ليل ـ بعيد هروب بن علي: الشارع في الشارع ، الحرية طوفان، الغضب بركان و النظام ينظر من :الشرفة

ـ مالعمل؟
ـ إقمعوهمـ لم يجديـ ماذا يريدون؟
ـ كلام غريب: شغل حرية كرامة وطنية
ـ ما هذا الهراء؟ من علمهم هذا الكلام؟
ـ لا أدري سيدي .. إنهم يقتربون من القصر .. مالعمل؟
ـ أرسل لهم رسولا، قل له أن يفهمهم الآتي، أولا أننا نبارك تحركهم و نعتبرهم من الآن فصاعدا من أمثالنا، و نوافق على إقتسام ما نملك من سلطة و مال، نوافق على أن يشاركونا حريتنا و يقتسمون كرامتنا، صفق لهم في الكونغرس، حييهم في الأمم المتحدة، إرفع راياتهم و إستشهد بهم. ثم نظموا لهم مهرجانا، عرسا ديمقراطيا .. أوقفوهم في صفوف كالخرفان في الطريق إلى المذبحة .. فان إستجابوا نكون نجحنا!
ـ و لكنهم لن يصدقونا! كيف يصدقون من قتلهم و إستعبدهم؟ كيف يصدقون من أفسد في الأرض و سفك الدماء؟ كيف يأتمنون من ثاروا ضده؟ لن يهدأوا!
ـ بل سيهدأوا .. هم ليسوا جنسا واحدا أو قالبا واحدا .. فيهم أناس كثيرون يعبدون السلطة مثلنا، ضحوا من أجلها سنين، دفعوا الكثير من أجل الجلوس على الكرسي .. هذا الكرسي الذي أمامك و الذي أصبح شاغرا الآن .. أولئك حلفاؤنا و إن كانوا يجهلون .. سيكلموهم هم .. سيخاطبوهم بكلام معسول .. سيقنعوهم هم بالرجوع و التراجع .. سيخدمون مصالحنا دون أن ننبس بكلمة .. أولئك حلفاؤنا .. قل لهم لقد شغر الكرسي، و أننا سننظم مسابقة لمن سيفوز به و يعوض "بن علي" .. طبعا لن يفوز بالكرسي إلا "بن علي" جديد واحد .. و نحن من هنا سنراهم يتناحرون و يتقاتلون و يجرون الثورة الطاهرة إلى ماخور السياسة! أنا متفائل!ـ ولكن عند فوز أحدهم بالكرسي سينقلب عليه باقي المتنافسين!ـ لا لا تخشى ذلك .. إسمها التداول على الكرسي .. كل سيجلس عليه قليلا من الزمن فحسب .. ذلك الأمل في إعتلاءه هو الذي سيجعلهم هادئين و سيمتص غضبهم .. لا يوجد سم أقوى من الأمل .. سيملأون البلاط و يعمرون القصور .. سيأتوا كل صباح لتفقد الكرسي و للوقوف على جماله في إنتظار الدورة القادمة .. بل سيكونون رغم اختلافاتهم و تنافسهم متضامنين ضد الثورة .. سيفتحون صدورهم لغضب الشارع لحماية الكرسي أو قل الأمل في إعتلاء الكرسي!
ـ طيب و لكن في تلك الحالة باقي الشعب لن يقتنع و لن يرضى .. سيبقون خارج البلاط .. سيكتشفون و هم خارج القصر و مغناطيسه أننا مازلنا نحكمهم و أن دار "بن علي" ستبقى على حالها!
ـ لا تخف .. أولا سنشاركهم في اللعبة بحيث سيذهبون هم بأنفسهم لإختيار صاحب العرش الجديد .. سيصبحون بذلك متواطئين في الجريمة .. جريمة استعبادهم .. سننظم فرقا للمتنافسين نسميها أحزابا .. تمتص الغضب .. تجول البلاد لتخطب فيهم و تلقنهم محاسن الصندوق و الكرسي .. لا تخف حلفاونا لن يتركوننا لوحدنا!


  هذه النخبة السياسية ليست من إفرازات الثورة، هي نخبة قديمة كأفكارها، منظومتها الفكرية قديمة، صراعاتها لا تعنينا، فنحن تجاوزناها بالثورة ..كل مشاريعها تمر من القصور .. خيالها سلطوي و في أحلامها كرسي و بلاط و صولجان .. جئنا في خضم ثورة بنخبة لم تؤمن إلا بفكرتين: الإصلاح و الإنقلاب
نخبة مخصية عاقر عاجزة فاشلة جثة مرمية على طريق التاريخ .. نخبة ثرثارة ديوثة جبانة ضعيفة هزيلة مريضة عمياء .. نخبة للبيع للشراء .. نخبة رد فعل لنظام فاعل بالفحشاء ..السلطة التجمعية القمعية هي التي شكلت هذه النخبة و قولبتها بطبعها كما بممارساتها .. هذه النخبة هي نتيجة تفاعلها مع السلطة .. النظام هو الذي صقلها .. هو الذي علمها أن تقول له أفا و لا و كلا .. النخبة السياسية في تونس إستمدت وجودها، و لعقود، من معارضة النظام .. معارضة عقيمة تشكلت فيها و حولها و لها .. في السلطة حققت ذاتها و دونها لا معنى لها .. وجود هذه النخبة كان مقترنا بوجود النظام الذي تكونت على معارضته، فيوم تهاوى النظام، هرولت لنجدته ففي موته موتها و في حياته حياتها ..
سترى كيف مازالت تبرر به تصرفاتها .. ستراه يحيى في كلامها و ممارساتها هي الآن .. هذه النخبة من ذاك النظام .. هذه النخبة هي جزء من النظام

سلمناهم السلطة التي هدمنا .. فرمموها كل على ذوقه .. عادوا إلينا بأمراضهم و عللهم و صراعاتهم القديمة
سلمناهم الثورة التي نملك .. سلمناهم الطريق إلى الكرامة .. سلمناهم أرواح الشهداء .. و الأمل في الحياة .. سلمناهم ثورة عظيمة .. فباعوها في سوق النخاسة مقابل بضع كراسي. هنا يكمن التناقض ، بين جماهير ضحت بكل شيء من أجل هدم السلطة و طبقة سياسية ضحت بكل شيء من أجل الحصول على السلطة

لم يكن بن علي صاحب الضيعة بل كان حارسها .. حارس يضمن لمشغليه شعبا مقموعا يشتغل بأبخس الرواتب في المستوطنات الصناعية الفرنسية و الألمانية و الإيطالية في الشرقية و جبل الجلود حيث تمنع القوانين من الدخول من الحاجز الحديدي لتترك المجال لقانون الغاب في داخل المستوطنات، قانون الثري على الفقير و الأجنبي على المحلي ..
حارس يضمن لمشغليه شعبا معزولا عن نضالات رفاقه في فلسطين و العراق و الأحواز و غيرها من الأراضي العربية الواقعة تحت وطأة البساطير و نار المدافع ..
حارس يضمن لمشغليه شعبا مجهلا مفقرا منكسا مقموعا مسجونا مقتولابن علي كان مجرد سجان يشتغل في سجن بنته الرأسمالية العالمية بالتحالف مع البرجوازية المحلية .. أن تطرد السجان فأنت لم تتحرر من السجن .. أن تطرد السجان و تختار أنت بنفسك من يحل محله فهذا لا يجعل منك إنسانا حرا .. حرية التعبير و الرأي لا تعني شيئا ما دمت سجينا و ما دمت مقيد الحركة .. الهروب من السجن إلى سجن آخر إسمه لمبادوزا أو الموت غرقا في الطريق لا يجعلك حرا .. للحرية طريق واحد يمر أولا بطرد السجان و هذا ما قد فعلناه .. ثم هدم و حرق مكتب السجان و أبراج المراقبة (السلطة) و هذا ما شرعنا فيه .. ثم لا بد من هدم السجن بأكمله بأسواره بمشربه بساحته بجدرانه (الدولة) و هذا ما وقفنا دونه .. مادام السجن قائما فصاحب السجن سيلتف على ثورتك و سيجد طريقا لتعيين سجان جديد، سيتعلل بتحسين مشرب السجن لتحسين شروط عبوديتك فإن قبلت سيستغل ذلك لترميم مكتب السجان و أبراج المراقبة و أدوات التعذيب و القمع .. سيقول لك ها قد إنتصرت إختر الآن من لدنك سجانا ليجلدك حسب برنامج إنتخابي متفق عليه .. حرية التعبير داخل السجن ليست إلا حرية الصراخ عند التعذيب .. إهدم و لا تخف فكما بنيت ستبني و لكن هذه المرة بدل السجن إبني حديقة تعلم فيها الأزهار جمال ثورتك .. إهدم و لا تخف!

و بذلك فإن الوقوف في نصف الطريق زاد من قوة النظام بدلا من إضعافه، فبعد إسترداد النفس و ترميم القليل الذي هدم، تسلح النظام بدروع جديدة كصندوق الإقتراع و الشرعية و التعددية، كما تعلم النظام من أخطائه و سد ثغراته و حسن من دفاعاته، بينما وقف قطار الثورة و تعطلت عجلاته و دخله الشك و الريبة و إضطرب مساره و تداخلت أوراقه

بعد رحيل بن علي، إحتكرت النخبة السياسية تعريف الثورة و ما قبلها و ما بعدها، ففرضت على الشعب تجربتها هي مع النظام، و تم تلخيص إجرام النظام في منع الحريات السياسية و هو ما عانته هي من النظام .. أي أن نظام بن علي أصبح مجرما في حرمانه لذوي الطموحات السياسية الحزبية من الحق في التحزب و الإجتماع و التعبير عن الرأي و كذلك منعه لهذه الفئة من المنافسة على سدة الحكم .. لخصت هذه النخبة حرمان الشعب في حرمانها هي من حكم الشعب .. حددت لنا برنامجا نابعا من خيالها السياسي الضيق: مواصلة نظام "بن علي" بدون فساد و لا إستبداد .. و بذلك حولت الثورة الى حركة إصلاحية من داخل النظام هدفها الإبقاء عليه .. فسرت الديمقراطية كما شاءت: إختلفت فيما بينها حول التعريف، فجزء منها لخص الديمقراطية في التعددية و ما هي إلا تعدد للأسياد، و جزء آخر إختزلها في حكم الأغلبية بينما هي حماية الأقلية، و جزء أخير فسرها بالسيادة للأحزاب و خلع الشعب عن سيادته .. الديمقراطية هي السيادة للشعب، و لا سيادة دون حرية، و لا حرية دون مساواة



يـســألـونـك عـن الـثــورة أيــــان مرســــاهـــا


قل عندما نكفر بالسلطة و الدولة و المناصب و الكراسي و المال

  أنظر مليا إلى السلطة .. لا تخفض عينيك .. إبصق عليها .. ثم أسكب عليها غضبك و أوقد فيها النار .. ثر .. كما إفتكوا منك الثورة إفتك منهم السلطة .. ثر .. فالشارع أمامكم و وراءكم و من حولكم .. لا مفر ..
ثر .. و لا تجعل عليك وصيا و لا قواما .. إبني طريقك مشيا نحو حريتك .. و جرب و أخطئ و تعلم .. و إبني حقيقتك بنفسك و دمر السلطة أينما تراءت لك و أغرتك .. حتى لو نصبتك أنت الملك و السلطان .. فمن دون سلطة يستحيل الطغيان
ثر .. على القديم على الموت على اليأس ثر .. على أحزابهم و ألوانهم و أقوالهم ثر .. حدد أنت الطريق و الوجهة، فمن سار معك فله الثورة و من سار ضدك أو غير المسار أو هدأك أو ألهاك عن معركتك .. فقد نصب نفسه بنفسه عدوا لحريتك

و إحذر .. إحذر التجار .. تجار الثورة و تجار القضية و تجار الديمقراطية و تجار الدين و تجار دماء الشهداء و تجار الوطنية .. كثيرون هم يريدون بيعك و شراءك فكن كالحياة وكالحرية بلا ثمن
كلا إن الانسان ليطغى ـ أن رآه استغنى .. كن مع الفقراء و الضعفاء و لا تنصر ظالما و لا مستبدا .. لا تنصر جلادا على ضحية .. و لا سيفا على دما .. و لا مالا على جوع .. فلا معنى للحرية إلا بحرية الضعفاء

كل الثروات التي ترى هي ثرواتك .. بنيتها و أمثالك بساعدك .. كل الشوارع أنت رصفتها .. و الجدران أنت عليتها .. بما في ذلك جدران زنزانتك .. كل الأموال أنت و ملايين الفقراء كسبتها .. كل الحرية كانت عندك .. كل النعم كانت نعمتك .. هم إفتكوا منك كل شيء، ثم سنوا القوانين و ألبسوا حراسهم أزياءا رسمية، و بنوا الدولة، ثم صنعوا الأسماء كلها و علموك إياها: إسلامي وشيوعي و علماني و سلفي و نسيت من أنت في الحقيقة: أنت الحر و الحرية

ليت ثورتي ثورة صعاليك .. ثورة تمرد .. ثورة صماء كبيرة متكبرة .. لا من يشتريها و لا من يروضها .. ثورة لا تقبل المساومة .. مقاومة .. ثورة وحشية .. عنترية .. لا تخاف الحرية .. ليت ثورتي ثورة أحرار.





29/06/2012

حــداد علـى بـخــتـنـا


ها أنت إذن اخترت الرحيل
ها أنت فضلت الإنسحاب

تركتهم في صخب المأدبة
يشربون موتك
يسكرون ألمك
و إنسحبت في هدوء و كبرياء

خمسون ألفا من الأصدقاء
خمسون ألفا من الكلاب حول جثتك
لم يسمعوا منك النداء

!أتسائل ؟

فيما تراك فكرت قبلها بأسبوع ؟
قبلها بيومين ؟
قبلها بساعة ؟
و أنت تمسك بالحبل ؟
و أنت تربطه في رقابنا ؟
و أنت تلقي بنفسك و بنا في العدم ؟

..يظن السخفاء أن الإنتحار يأتي في لحظة ضعف 
بينما تأتي به سنوات من الألم

!أتسائل ؟

كيف لمن إنتصر للحياة
       ..في الظلام .. بين الجثث 
أن ينحاز للموت
بعد أن رأى الموت إنهزم ؟

أصرخ بالسؤال .. و أسد أذني ما أن يجيبني الصدى
فالجواب مخيف .. قاسي
   ..شيء من الكلام .. تبعثر منك
..ألقى بنفسه منك قبل الغرق 
و حط في رأسي

:شيء من الكلام .. مخيف .. قاسي
.. هي حياتي تعيسة"
..كل ما فيها ضدي
..تاريخ الولادة و مكانها ضدي
..عنواني ضدي
..فراشي المكسور و بكاء إبن الجيران في الليل ضدي
..قطرات السقف .. مرض أمي
..قيظ الصيف ضدي
..برد الشتاء في عظامي
..الغيوم المكفهرة كمزاجي
"كل شيء ضدي

:مخيف .. قاسي
..حتى لما قامت ثورة من المستحيلات "
..غيرت الأخضر و اليابس
..غيرت لون الجدران
..هدمت قصر السلطان
..كل شيء غيرت
...إلا حياتي
..أبت و إستكبرت
"حتى ثورة كالعصف لم تغير لون سمائي

:كلامك تبعثر في رأسي
..دنيا قاسية "
من بين كل بيوت الأرض لم زرعتيني هنا ؟
من بين كل الناس : لم أنا ؟!
ثم و في خانة اللعنة الأخيرة
وهبتني قلبا ينبض و شيئا من الكبرياء
"!!!تبّــا

أدرك جيدا يا صديقي معنى الكبرياء
لعنة من السماء
أدرك جيدا معنى أن ترفض مواصلة اللعب
مادامت كل القواعد ضدك
مادامت كل الإحتمالات موتك
فمن حقك أن تختار الهرب
من حقك يا صديقي أن تشتري بالموت حق تقرير المصير
من حقك الرحيل










هي ثورتك
شبهك
كلها ملامحك
لها أنفك المنتصب
و شيء من الكبرياء في عينيها
لا تخف عليها
سنربيها في ذكراك
سنعلمها أسماءك كلها
إسمك و إسم الجريح و إسم الشهيد
و إسم الفقير المعوز
و إسم من كتب القصيد
و إسم الشقي و إسم العنيد
سنعلمها كلامك
سنعلمها كلمة لا
لا لإحترام الطابور
لا لتقديس القصور
لا للصمت .. لا للموت
لا ليأس الضعفاء
لا لأمل الأغبياء
لا عشرون مرة في اليوم
بعد الأكل و قبل النوم
في الحانة و في الصلاة
"سنعلمها نحن "لا
"قبل أن يعلمها الجبناء "نعم
إرحل و إطمئن عليها

إطمئن .. حتما ستسامحك
حتما ستغفر لك
لا تنسى أنها خلقت من ضلع منتحر
فضل الصعود إلى السماء
على العيش أبد الدهر بين الحفر
إرحل في هدوء .. في كبرياء
فإن أنت أردت الموت
فليستجب لك القدر !!!



إلى ذكرى كريم العليمي الذي فضل الرحيل في 16*06*2012





19/07/2011

هـيـبــــة الشــــعـــــب






كـان فـي قلـب تـونـس العـاصمـة رصيــف ممنــوع، رصـيف حـرام، يتفـاداه الجمــيع. كـان رصيـفا مخيـفا مـريبـا، تحـرسه سلاسـل و خـوذات و أسلـحة و عيـون حمراء مكفهرة مصوبة تجــاه المـارة. فـوق الـرصيـف بنـاء سوفيـاتي شتـازي يجـثم علـى صـدر المـدينة فيحـول دون أن تتـنفـس ... وزارة الداخلـية

يتـوسط جـل عـواصم العـالم القصـر الرئاسي أو الملكي و البـرلمان، كرمـزي السلـطة و صنـع القـرار و مـركزي ثـقل الـدولة، إلا في تونـس، حيث القصـر و البرلمـان يقبعان على هامش المدينـة و تختـزل الدولـة ( البوليسية ) مقـرها في كاتدرائيــة وزارة الداخليـة، وزارة الإرهاب الشرعي

و ذات جمـعة، وقفـنا أمام وزارة الإرهاب، نظرنا إليـها، حـدقنا فيـها، صـرخنا في وجـهها، تسلـقنـاها، تحـديناها، أهـنّاها...فانكشفـت عـورة الجنـرال و  فر هـاربا...كسـرنا السلـة التي وضع فيها جميـع بيـض السلـطة، بتسـلق جـدرانها كسـرنا جـدار الصمـت و الخـوف ... ذات جمـعة، فقـدت الدولـة (البـوليسيـة) هيـبـتها


قــصــة الرصيــف  
كـانت فرنسـا في القـرن التـاسع عشـر تعتبـر الإستعـمار مشـروعا حضـاريا

 للأعراق العلوية الحق و الواجب في تمدين و تحضير الأعراق السفلى""
 جول فيري (رئيس المجلس الحكومي في فرنسا أثناء إقرار إحتلال تونس في 1881)
حيث كانت نظريات العنصرية العلمية المتداولة و الشائعة في الأوساط الفكرية و السياسية آنذاك تصنفنا دون البشر، همجيين و وحشييـن، كنا في نظـرهم أعراقا سفليا تجـهل الحضـارة

بتجريـدنا من إنسانيتنـا، جُـردنا من حقوق الإنسان و المواطـنة، صارت إنسانيتنا مسعى بدل أن تكون فطرة. كان الفرنـسي يولـد إنسانا، أما نحـن، فعليـنا أن نتعلـم و نتمـدن و نتحضر و نتفــرنس حتى يكـون لنا الحق في الكرامة و الحرية و حق تقرير المصيــر

الديمـقـراطـيـة هي السيادة للشعــب و بذلك تحميلـه مسؤليـات القـرار، لكن الديمقراطـية و ببسـاطة هي شـأن إنساني، و لا تنطبـق على من صنفتهـم فرنسا لا يفرقون بين الخيـر و الشـر، من لا يعرفون مصلحتهم و ينساقون بسهولة وراء غرائزهـم. نحن لسنا أهلا بالديمقراطية ما عدى من أثبت أهليته، من تكلم الفرنسية و درس تاريخ فرنـسا و إستـند إلـى أدبـاءها و حفـظ أشعـارها، فذاك قد نجح في الإنتقــال من الهمجيـة إلى الحضارة
طبعـا من حفـظ الشعر الشعبـي أو العربـي أو القرآن يبقـى في نظـر المستعمر همجـيا، فالحضـارة غربية أو لا تكون !!! و الباقي مجـرد فلكلـورو وفاءا لرسالتـها الحضاريـة، كانت فرنـسا تسـهر على تكوين نخبة من التونسييـن في جامعاتهـا ليكونو رسلـها في الأرض، يهدون الجهلـة إلى نور فرنسا المبين، مثلها كمثل الراعي يربي كلابا، يدربها على طاعته حتى تساعده في رعـي  ماشيتـه، يوكل لها المضـجر و المتعـب...الدواب تفهـم بعضـها 

المـلـك و البـارودة
في غياب الديمقراطية، إستمـدت الدولة شرعيتها من منظـومة فكريـة كفيلـة بضـمان تنفيـذ المشروع الإستعماري
خلـفت هذه الممارسـة فينا إلى اليوم داءا عضالا مازال ينخر أذهـاننا، فكـرة أهـل الإختصـاص، أي قبـول أن تحـكم أقليـة الشعـب بدعـوى أنـها تعـرف مصلحـته أكثـر منـه، و هي فكـرة متنافيـة تمـاما مع الديمقراطيـة، ففي أثيـنا كان العكس متداولا، فقـد كان الآثينيون يقصــون من البرلـمان (استراسيزم) كـل من كـان يستنـد للخبرة و للإختصاص في المشاركـة في الحياة السياسيـة، كانوا يرتابون من يجـيد الكلام و يخـافون أن يتـلاعب بهـم
الأرستقراطية ( السيادة للأفضل ) متناقضـة تماما مع الديمقراطيـة ( السيادة للشعب)

مصــداقيـة الطبقـة الحاكمـة تتلخص إذن في إثبـات أفضليـتها، طبعـا في عهـد فرنـسا المشـكل لم يكـن مطروحا لأنه، و في نظر المستعمـر ، الفرنسـي هو الأفضـل بطبـعه، فهـو المتحـضر المتمـدن. المشكل طرح بعيـد الإستقلال، حيـث إثبـات الأفضليـة تجلـى في إبـراز الطبـقة الحاكمـة فرنكوفونيـتها و إستعراض البصمـة الغربيـة في كينونتهـا... فرنسـا حكمتنـا لأنـها الأفضـل، نحن نخلـف الفرنسيين، نتكلم لغتهم، نحفظ قصائدهم، نأكل أكلهم، نلبس لباسهم، نحن شبه فرنسيين في بلد الأعـراب، فنحن الأجـدر بحكـمكم
هذا تطـور خطيـــر جدا في الخيــال السـياسي التونـسي. فنحـن في علاقتنـا بالسلطـة، علـى الأقـل على الصعيد الميثولوجي، نعتبـر بالحاكم الذي يحاكي شعبـه، الذي يجوع مع شعبـه، ينـام أين ينـام شعبـه، يسكن في خيـم شعبـه، و هـذا يتجـلى في أمثلـة عـدة كما يروج مثلا على تواضع عمر بن الخطـاب و زهد عمر بن عبد العزيز إلخ ...
نحن في الحقيقة شعب نكـره القصور و نحتقـر التعالي و نرفـض الغـرور. كنـا شعبا يُحكم بأساطير الملك الذي يزور ديار رعيته قبل النوم، يلبس ما ستر و يأكل ما حضر، طبعا هذا في ميثولوجيا السلطـة و إذا كانت الحقيقـة بعيدة عن ذلك، فعلى الملـك إخفاؤهـا على العيــون

و إذا بنـا مع الحقبـة الإستعمـاريـة نستورد نقيض هذه الفكرة، و نستبـدل خيـالنا السياسي بالخيـال السياسي الكاثوليكي، المستمـد من عـادات الكنيسـة في فرض النفـوذ و الهيمنـة، حيـث في القـرون الوسطـى كـانت المؤسسـة الكاثوليكيـة تستمـد مصداقيتهـا من كبـر كنائسها و شهق كاتدرائياتهــا، من ذهب السقـف، و نبـل خشـب الأبـواب، المصـداقيـة الإلاهيـة في أن ممثل الرب فوق الأرض لا يشبـه رعيتـه، مصداقيـة الكنيسـة في حجمها الرباني

 كـانت الكاتدرائيـات في القرون الوسطى جبـالا من الذهب و الصخـر و النقـوش تجثـم فوق وحـل المدن و أوبئتهـا و قـذارتها، تكـرس فكـرة الرب العالي و العـابد الوضيع

رسخـت هذه الفكـرة في الخيال السياسي في البلدان الكاثوليكيـة، و إنتقلـت إثر النهضـة الأوروبيـة من الكنيـسة إلى البلاط، ثم إلـى القصـر الجمهـوري و البرلمـان و باقـي مؤسسات الدولـة، إلى يومنـا هذا، رغـم ما مـر عليهـا من ثورات و كومونـات

بـذلك تكون المصلحـة العامـة هي مصلحـة الدولـة بدل أن تكون مصلحـة الشعب، و بما أن الطبقـة الحاكمـة أدرى بهـذه المصلـحة من الرعاع المحكومين، و لتفادي المسائلـة الشعبيـة أو الإنتفاضات و الثورات، كـرست الدولـة  منـظـومـة أمنيـة قـويـة، تستمـد مشروعيـة عنفـها من السلطـة بدل الشعب، و تحـمي بذلك هذه الطبقـة من الشعـب نفسـه

الـدولــــــة أن تهـابهــــا
هذه المنظومـــة الأمنيـــة هي الأداة الضامنـة لممارسـة السلـــطـة، تأتمر بأوامرهـا و ترعـى مصالحها، التشكيـك في المنظومـة الأمنيـة هو تشكـيك في صـاحب قرارهـا، أي السلطـة
البوليس يحـمي الطبقـة الحاكمـة بالبارودة، و الطبقـة الحاكمـة تحمـي البوليـس بالقانون
هـذا التحالف بين طبقـة مثقفـة، تفتخر بكونها لا تشبـه الشعب، و بين منظومـة أمنيـة وفيـة لها، هو في كلمتيـن، هيبـة الدولـة
إذن فهيبـة الدولـة متنـاقضـة تماما مع هيبـة الشعب


تقـف الدولـة فـوق صـدر الشعـب علـى ساقيــن ثابتتيــن، سـاق الحـاكم النبيـــل و سـاق البوليــس القمعــي
هذه هي الدولـة التي ورثناها من المستعمر، دولـة رافضـة للديمقراطيـة بطبعـها، دولة إقطاعية، دولـة قن و سيـد و بنـدقيـة...

ليس للدولـة البورڨيبيـة أن تستمد شرعيتهـا من الشعب، لأن الشعـب في نظـر بورڨيبـة، لا يملـك المقومـات الذهنـية و الحضاريـة لإعطائـها الشرعيـة

تتجســــد إقطـاعية النظام في كلمــة يرددها كل التونسيون، كلمـــة الحـاكم
كل ما هو " متاع الحاكــم " ليـس ملكـا للشعـب، نهـابه في النهـار، و نكسـره و نمزقـه و ننتقـم منـه في الليـل

نمشي في كياس الحاكم
 تحت ضو الحاكم
 نشرب ماء الحاكم
 نتعالج في صبيتار الحاكم
 يضربنـا الحاكم بزي الحاكم
 يختلط الحاكم بالحاكم
نحتفـل بعيـد ميلاد الحاكم
 نستيقظ على إذاعـة الحاكم
 تبـث أشعارا كتبت خصيصا للحاكم
 ننام على توجيهات الحاكم
 يعلمنا خلالها كيف نمشي في كياس الحاكم
 كيف نشرب ماء الحاكم
و كل جمعـة ندعو أمام إمـام الحاكم أن يطول الله في عمـر الحاكم


" بما أن الشعب يصـوت ضـد الحكومة، فعلينـا إذن حل.. الشعب" برتولد براخت
بما أن الملـك لا يرضـى أن يشبـه الشعب، حاول الشعب أن يتأقلم مع الملـك
أصيـب الشعب بالحمى البورڨيبية ، إنتابه الهذيان، فصـدق أن العلـم و المعرفـة و الحضارة تكتـب من اليسار إلى اليميــن، لبس اللباس الأوروبـي و سماه لباسا عصريا، خجل من سفساري أمـه أمام المدرسـة و برنـس أبيـه في المقهـى
حاول الشعب أن يكـون فرنسيـا ، فلا هو نجح و لا هم يقبلـون
صار يترصـد أي دليـل على دونيتـه، عبارات تقـزيم الذات لا تغادر فمه
" توة هاذم متاع حـرية "
"هاذم تعطيهم الديمقراطيــة ؟ تي حتـى يتعلمو يمشيو في الكياس"..كياس الحاكم طبعـا
تاه الشعـب فبحث عن نفسـه في كتب التاريخ و الجغرافيا
من أنا ؟ هل أنـا عربي ؟ هل أنـا إفريقي ؟ من أنـــا ؟

أطـل عليـه الملـك من شرفة قصره و في يده كأس الشمبانيا
ماذا تريـد ؟ أهـذا جزائي أني رضيت أن أحكم شعبا متخلفـا مثلك ؟ أهكذا تزعجني في قصري ؟ ماذا تريـد ؟ عـد من حيث أتيـت، سأكلمك غـدا في التلفاز، سأروي لك قصـة خصيتي الوحيدة، و سأحدثك عن قصة حـب الملـك و وسيلـة
 سأروي لك ماتشاء إلى أن تنـام
نكس الشعب رأسـه و عـاد من حيـث جـاء

بـورڨـيــــبـة الـرابــع عــــشــــر
كانت تنقص الملـك حاشيـة، فما كان إلا أن صنعهـا .. كن فكانت .. حاشيـة فرنجيـة اللون و الرائحـة، تذكره أيام الصربون و الحي اللاتيني، حاشيـة من أشباه المثقفين و رجال الأعمال و الجامعيين و الفنانين .. نموذج مصغـر من شعـب لا وجـود له، يستظهـر بهـا في السهرات و المحافل .. صنعهـا في ست أيـام من دعم وزارة الثقافة و منـح وزارة التعليم و مناقصات التجهيـز و الإسكـان
و بعـد أن علمـها أسمائه كلـها .. كلفهـا بإعـادة كتابة التاريخ و رسم الخرائـط من جـديد و نظـم قصائد و معلقـات و خطـب عصمـاء في بهـاء طلعتـه و جمـال صلعتـه
" يجي دنفير مالمستير...الدول فيه تحيـر "
بينمـا كانت الحاشية  تعلق صور توت عنخ آمون و قناعه الذهبي في الشوارع و الملاعب و الساحات و طوابع البريد و النقود و التلفاز و أذهان النـاس، كان البوليس يقف حاجزا بينها و بين الشعب و أمراضه المعدية و رائحته الكريهة
بمرور الوقت، طعـن الملك في السن، و تحول توت عنخ آمون إلى مومياء رمسيس الثاني، فصار وهم أفضلية الحاكم سخيفا، و بانت خيوط الدمية للشعب، و غدى من الصعب تصديق نبوته، بدأ التشكيك في معجزاته، و كان لا بد من تعويض الشرعية المفتقدة بالعنف الرسمي ... بدأت قداسية الحاكم تتهاوى شيئا فشيئــا، كانت كل ما تهوي صرحا، تزيد المنظومة الأمنية صرحا، حتى إنعدم التوازن بين المصداقية الأفضليــة و الشرعيــة البوليسيـة
و ذات سابع من نوفمبر، في غفلـة من المومياء و بتواطؤ مع جزء من الحاشيـة، قفـز صاحب الشرطة علـى العـرش و أنقـذ بذلك هيبة الدولـــة

هـراوة الشرطـي و مقــص الحـلاقـة
ضحـت الدولـة بصـانعهـا لإنقـاذ هيبتهـا و ألقتـه في قبو، فهيبـة الدولـة لا تعرف الوفاء إلا لحافظـها و حاميها، ما أن ضعف إلا و تخلصت منه، و زجـت في القصــر بحلاقة و شرطي، و تواصلـت الدولـة مع تغييـر طفيـف في موازيـن هيبـتهــا، إذ تقلص نصيـب سـاق الحـاكم النبيـل لحسـاب سـاق البوليـس القمعـي
تـواصـل تجـاهل الشعب و إقصائه من الحياة السياسيـة
و تواصلـت الدولـة في تكريس هيبتهـا
صعـد بن علي على سطـح القصر خاطبا
" من كان يعبد بورڨيبة، فبورڨيبـة قد مات. و من كان يعبد هيبـة الدولـة، فهيبـة الدولـة لا تموت
ضخّ الملـك الشاب في الحاشيـة دماءا جديـدة، وزّع إمتيازات من نوع جديـد و أعادت الحلاقة تزويق القصر على ذوقـها

تأقلمت معظم الحاشيـة مع التغييـر، و لكن خارج البلاط بقيت دار بورڨيبة علـى حالـها ، سجـون و خوازيق و حـديد و نـار
و ذات يوم، و بينمـا كانت الحاشيـة مشغـولـة في لهوها و مرحهـا، إذ سمعـت من بعيـد حناجر الغضـب تنشد الحريـة و صدورا  مفتوحـة و متارس مبثوثـة، فأطلـت الحاشيـة من الشرفة و في يدهـا كأس الشمبانيـا
ماذا تريد ؟ عـد إلـى جحورك سنعطيـك خبـزا و ماءا
لكـن هذه المرة إستبسـل الشعب، و لم ينكـس رأسـه، و واصـل الصراخ : إرحـل 

خافت الحاشيـة فرمـت بالملـك من الشرفـة : لكم ما تريـدون
و نادت على وزير الملـك و رئيس برلمـان الملـك أن تواصـل عجلات الدولـة دورانهـا... لكـن السواعـد لم تكل و الحناجـر لم تتعـب.
لقـد مرضـت هيبة الدولـة و تزعزعـت. تعطلت الآلة فـرموا بوزير الملـك من الشرفـة و نادوا أحـد مهندسيـها الأوائل، هو الذي صنعهـا و هو الوحيـد الذي يستطيـع إعادتها علـى ماكانت عليـه
نادوا على أحـد صحابة بورڨيبـة، كان من أول من آمن بدينه الجديد و هو من العشرة المبشرين بالجنـة البورڨيبيـة : الباجـي قايد السبسي

قفا نبك من ذكرى بورڨيبـة و السبسي
وقـف السبسـي في الجمـع و قال لهم بالحرف الواحـد
 أنا ما عنديش أي تردد و أي شك أن الرئيـس إرتكب خيانـة عظمى، رئيس دولة له مسؤليات عظمى في السهر على سير دواليب الدولة، و في ضمان الأمن و الإستقرار لأبناء الشعب، يغادر مسؤليته، هو ليس بالمتوظف البسيط، و يذهب دون سلام ؟ هذايا أعتبره خيانة مؤتمن
بالنسبـة للسبسـي، الخيانـة العظمى ليست خيانة بن علي للشعـب طيلـة أكثر من عقدين، و إنما هي خيانتـه للدولـة، خيانـته لدولـة مؤتمن آمنـاها لك كاملـة بهيبتهـا و بوليسها ( الأمن و الإستقرار لأبناء الشعب ) و إدارتهـا ( ليس بالمتوظف البسيـط ) فإذا بك لم تكن في مستوى المسؤليـة و هربـت بدون سلام..فإذا بك أهـدرت ما بنينـاه طيلـة سنيـن من هيبـة الدولـة البوليسيـة.
يلوم السبسي على بن علي أنـه لم يبقى إلى النهايـة.. نهاية ماذا ؟ نهاية من ؟ ماذا كان يفعـل السبسـي مكانه ؟
هـذا هو السبب الحقيقـي وراء عـدم محاسبـة القناصـة، هؤلاء جنـود الدولـة و حراسها، هم دافعـوا عن هيبـة الدولـة، فكيـف يعاقب السبسـي من قام بواجبـه ؟

إذا كان يوم 14 جانفي، في نظرنا يوم إنتصـار الشعب، ففي نظـر السبسي هو يوم هزيمـة الدولـة



مات الملـك..عاش الملـك
نادت الحاشية على السبسـي و أوكلتـه مهمـة إصلاح ما تعـطل من هيبـة الدولـة، و إتفقـت على ضخ دماء جديدة فيهـا تتقـاسم معهـا إمتيازاتهـا وبذلك تبقى هي في البـلاط
لإختيـار من سيعـوض صاحب الشرطـة و زوجتـه الحـلاقة، قررت بمعيـة السبسـي إجـراء مسابقـة وطنيـة إسمـها الإنتخـابات، مسابقـة علنيـة يشارك فيهـا الشعب ليختـار من يكون الملك الجديد، يفوز فيها من ينـال رضـاء الحاشيـة من تمويل لحمـلاته الدعائيـة و مؤتمراته الشعبيـة...تقـدم الكثيـر ممن يطمعون في الكرسي الشـاغر
أيا كان الذي سيباشـر السلطـة في المجلـس التأسيسي، سـواء كان حزبا أو شخصـا أو فكـرا أو إئتلافـا...أيـا كان...فإنـه سيجـد نفسـه يمسـك بسلطـة لا حدود لهـا، بـدون أي مؤسسـة تعارضـه، فهو سيمسـك في نفـس الوقت بالسلطـة التنفيذيـة و التشريعيـة و سيحدد صلوحيات السلطـة القضائيـة.... سيكـون ديكتاتورا منتخبـا...ديكتاتورا شرعيـا.... سنضـع البيـض كلـه في نفـس السلـة من جـديد و ننتظـر أول من يقطفـه سـواء عبـر الإنقلاب أو عبـر الرشـوة السياسيـة أو عبـر فـرض الرأي... طبعـا كل الأحزاب تدعـو إلـى المشاركـة في تأليههـا، فالكـل يطمـع أن يكـون هو الديكتاتور الشرعـي، الكـل يمنـي نفسـه بالقصـر
الدولـة التونسيـة و ما أدراك ما الدولـة التونسيـة، دولـة بألف دولـة، دولـة تتدخل في الصغيـرة و الكبيـرة، دولـة لها أيـادي طويلـة و نفـوذ واسـع في كل تفاصيـل الحياة، و أيـا كان الذي سينَصّب في القصـر، فإنـه سيجـد نفسـه ذو نفـوذ كبيـر
و حتى لو وعـد بإنقاص هذا النفـوذ، عن حسـن نيّـة، فـدوار السلطـة و لذة الجـاه سينسيانه ذلـك, ما هو إلا بشـر
كفـانا سذاجـة. كفانـا غبـاءا.... لا يدافـع على مصلحـة المحـروم إلا المحروم، و لا يدافع على مصلحـة الشعب إلا الشعـب

دمـر القصـر تهـرب الحاشيـة
صحيـح أن الثورة تقوم من أجـل الكرامـة و الحريـة. لكـن كرامـة من و حريـة من ؟ لا ننسـى أن أهـل البلاط كانوا ينعمون أيام بن علي و بورڨيبـة بالكرامـة و الحريـة و أن الثورة بالنسبـة لهم هي حرمانهم من إمتيازاتهم التي كانت تضمن لهم كرامتهم و حريتهم على حسابنا، و الثورة لن تنجـح إذا نصبنـا في القصـر حاشيـة جديـدة، تنعـم بإمتيازاتها على حساب البقيـة، الثورة لن تنجـح إذا غيرنا الأدوار
ليسـت هنالك مشكلـة مع هـذه الحاشيـة أو تلـك، و إنمـا مع مفهـوم الحاشيـة في حـد ذاته
نحـن عبيـد كنـا نضرب بالسيـاط، ثرنا على مالكنـا من أجـل الحـريـة و الكـرامـة، و ما لم نكسـر هذا السـوط، فإن من سيملكـه سيعـود بنا إلى نفـس الوضعيـة التي ثرنـا عليهـا، حتـى و إن ملكنـاه نحـن، فلا حريـة مادام الآخـر عبـدا...و لا حريـة مادام السوط موجودا

إمـا هيبـة الشعب و إما هيبـة الدولـة
الثورة هي السبيـل الوحيـد لإقتـلاع الظلـم و الجـور من أرضنـا، لا مفـر من تنصيـب المتارس و الدخول في مواجهـة حقيقيـة مع الدولـة و هيبتهـا و حاشيتهـا و خوذاتهـا و بوليسهـا... الطـريق للحـرية و الكرامـة يمـر من علـى الرصيـف الممنوع... من نزع الزي و إلتحـق بنـا فبالورود و الزغاريد، و من صـوب بارودتـه علينـا فقـد حكـم علـى نفسـه بالموت... نريـدها بـدون أسـرى...فإما في صفوفنـا وإما علـى الفوانيـس
نحـن أذكـى من أن تحكمونا، لن تحبوا بلادنـا أكثـر منا
يجـب تفعيل دور لجـان حمايـة الثورة و إعطـاءها الصلوحيـات الكافيـة لتسسير الشأن العام، لتكـون قاعـدة للديمقراطيـة الحقيقيـة بـدون وصايـة و لا وسيـط، يتم أخـذ القـرار فيهـا بالتصويت في جلسات عامـة
النجـاح يكـون بخلق تنسيقيـات عامـة بين اللجان و كـذلك بين الشعوب الثائرة من ليبيـا و مصـر و اليمـن و غيرها

الدولـة هي منظمـة رسميـة لقضاء شؤون و مصـالح الأقليـة التي تمارس السلطـة، مهمـا كانت هذه الأقليـة
تؤجـر هذه الأقليـة خدمـات ميليشيا من المرتزقـة، تلبسها هذه المنظمـة أزياءا رسميـة و تسميهـا بوليسـا، تدفـع لهـا كل شهـر جرايـة مقـابل حمايتهـا من الأغلبيـة
تربيـها على تنفيذ الأوامر دون تفكيـر، تسلحهـا، تعطيهـا إمتيازات تافـهة مقـابل طاعتهـا
هذه الميليشيـا هي الأداة الوحيدة الضامنة لبقاء السلطـة، حتـى إن تغير من يمسك بالسلطـة. فهـي أداة غبيـة ترفض التفكير، و تنصاع دائما للأقوى علـى حساب الضعيف
الثورة هي السبيل الوحيـد للضعفاء لتغييـر الوضع و الحصول علـى الكرامة و الحرية
الثـورة ليسـت تغيير الأقليـة الماسكـة بالسلطـة بأقليـة أخرى، بل هي تدميـر المنظـومة التي تمارس بهـا الأقليـة ـ مهما كانت ـ نفوذها...و ذلك يكون أولا بتدميـر الآليـات التي تضمـن حماية هذه الأقليـة من الشعب.. البوليس و رأس المال


إنتخابات المجلس التأسيسي ما هي إلا تغيير للأقليـة التي ستحكمنـا، لكـن الحكم سيظـل هو نفسـه

الديمقراطيـة البرلمانيـة  ليست الثورة، والثورة هي السبيل الوحيد لسيادة الشعب، لذا يخافها كل الحكام..الثورة هي الديمقراطـية الحقيقيـة

لو كانت الديمقراطيـة البرلمانيـة تضـمن ذلك، لما شجعنـا عليهـا حكام الغـرب من ساركوزي و أوباما و غيرهـم، هم في بلدانهم يمارسون الديمقراطية الإنتخابيـة، ما هي إلا تمثيليـة تتلخص في مهرجـانات إنتخـابية لإمتصاص الغضب الشعبي، و كل من يعـرف الحقيقـة الإجتماعيـة و السياسيـة لفرنسا و الولايات المتحدة يعرف أن ديمقراطيتهم لم تحل ضد الطغيان و الفقر و الغطرسـة، و يعرف أن الممارسـة السياسيـة هناك حكـر على أقليـة رأسماليـة برجوازيـة

لتحقيق أهداف الثورة، أي الكرامة و الحريـة للجميـع، لا بد من مواصلـة الثورة بتدمير الدولة و مرتزقتهـا

سيقولون لك أن الدولـة ضروريـة لتسيير شؤون المدينة، أجبهـم أنه خلال الثورة في الڨصـرين و تالـة و سيدي بوزيـد، نظمنـا أنفسنـا في لجان شعبيـة، نظفت الشوارع، و حرست الديار، و سهرت على شؤوننا، منـا وإلينـا
سيقولون لك أن البوليـس ضروري للحماية من الإجرام، قل لهم أن الإجرام في مغلبـه ناتج عن توزيـع غير متكافئ للثورة، قل لهم أننا قادرون على حماية أنفسنـا من أنفسنـا
لكـن من يحمينـا من الشرطة إن هي إعترضت إرادتنا ؟